الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَلَقَدِ استهزئ} الآية مقصدها تأنيس وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا حيث وقع: {فَأَمْلَيْتُ} أي أمهلتهم: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} هو الله تعالى أي حفيظ رقيب على عمل كل أحد، والخبر محذوف تقديره: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت أحق أن يعبد أم غيره؟ ويدل على ذلك قوله: {وجعلوا لله شركاء}، {قُلْ سَمُّوهُمْ} أي اذكروا أسماءهم: {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأرض} المعنى: أن الله لا يعلم لنفسه شركاء وإذا لم يعلمهم هو فليسوا بشيء، فكيف تفترون الكذب في عبادتهم، وتعبدون الباطل، وذلك كقولك: قل لي من زيد؟ أم هو أقل من أن يعرف فهو كالعدم: {أَم بظاهر مِّنَ القول} المعنى أتسمونهم شركاء بظاهر اللفظ من غير أن يكون لذلك حقيقة كقوله: {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم} [النجم: 23]: {لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الحياوة الدنيا} يعني بالقتل والأسر والخوف وغير ذلك.{مَّثَلُ الجنة} هنا وفي القتال [محمد: 15] صفتها، وليس بضرب مثل لها، والخبر عند سيبويه محذوف مقدم تقديره: فيما يتلى عليكم صفة الجنة، وقال الفراء: الخبر مؤخر، وهو تجري من تحتها الأنهار: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} يعني ما يؤكل فيها من الثمرات وغيرها والأكل. بضم الهمزة المأكول، ويجوز فيه ضم الكاف وإسكانها، والأكل بفتح الهمزة المصدر: {والذين آتيناهم} يعني من أسلم من اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام والنجاشي وأصحابه وقيل: يعني المؤمنين والكتاب على هذا القرآن: {وَمِنَ الأحزاب} قيل: هم بنو أمية، وبنو المغيرة من قريش والأظهر أنها في سائر كفار العرب، وقيل: هم اليهود والنصارى؛ لأنهم لا ينكرون القصاص والأشياء التي في كتبهم، وإنما ينكرون البعض مما لا يعرفونه أو حرفوه: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله} وجه اتصاله بما قبله أنه جواب المنكرين، ورد عليهم كأنه قال: إنما أمرت بعبادة الله وتوحيده، فكيف تنكرون هذا: {مَآبِ} مفعل من الأوب وهو الرجوع، أي مرجعي في الآخرة أو مرجعي بالتوبة.{وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} ردّ على من أنكر أن يكون الرسول من البشر أو يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر من النساء والذرية، فالمعنى لست ببدع في ذلك، بل أنت كمن تقدم من الرسل.{وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} ردّ على الذين اقترحوا الآيات: {لِكُلِّ أَجَلٍ كتاب} قال الفراء لكل كتاب أجل بالعكس. وهذا لا يلزم، بل المعنى صحيح من غير عكس، أي لكل أجل كتاب كتبه الله في اللوح المحفوظ.{يَمْحُواْ الله مَا يَشَاءُ} وقيل: يعني ينسخ ما يشاء من القرآن والأحكام، ويثبت منها ما يشاء، وقيل: هي في آجال بني آدم، وذلك أن الله تعالى قدر في ليلة القدر، وقيل: في ليلة النصف من شعبان بكتب أجل من يموت في ذلك العام، فيمحوه من ديوان الأحياء، ويثبت من لا يموت في ذلك العام، وقيل: إن المحو والإثبات على العموم في جميع الأشياء، وهذا تردّه القاعدة المتقررة أن القضاء لا يبدل، وأن علم الله لا يتغير، فقال بعضهم: المحو الإثبات في كل شيء إلا في السعادة والشقاوة الأخروية، والآجال: {وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} أصل كل كتاب، وهو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقادير الأشياء كلها.{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ} إن شرط دخلت عليها ما المؤكدة وجوابها: فإنما: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} الاتيان هنا بالقدرة والأمر، والأرض أرض الكفار ونقصها هو بما يفتح الله على المسلمين منها، والمعنى أو لم يروا ذلك فيخافوا أن نمكنك منهم، وقيل: الأرض جنس، ونقصها بموت الناس، وهلاك الثمرات وخراب البلاد وشبه ذلك: {لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} المعقب الذي يكر على لاشيء فيبطله: {فَلِلَّهِ المكر جَمِيعًا} تسمية للعقوبة باسم الذنب {وسيعلم الكافر} تهديد، والمراد بالكافر الجنس بدليل قراءة الكفار بالجمع، وعقبى الدار الدنيا والآخرة: {قُلْ كفى بالله شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أمره الله أن يستشهد الله على صحة نبوته وشهادة الله له هي: علمه بذلك وإظهاره الآيات الدالة على ذلك: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} معطوف على اسم الله على وجه الاستشهاد به، وقيل: المراد عبد الله بن سلام ومن أسلم من اليهود والنصارى الذين يعلمون صفته صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل، وقيل: المراد المؤمنون الذين يعلمون علم القرآن ودلالته على النبوّة، وقيل: المراد الله تعالى، فهو الذي عنده علم الكتاب، ويضعف هذا، لأنه عطف صفة على موصوف، ويقويه قراءة: ومن عنده بمن الجارة وخفض عنده. اهـ.
.قال البيضاوي: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق}فيستجيب. {كَمَنْ هُوَ أعمى} عمى القلب لا يستبصر فيستجيب، والهمزة لإِنكار أن تقع شبهة في تشابههما بعدما ضرب من المثل. {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الألباب} ذوو العقول المبرأة عن مشايعة الألف ومعارضة الوهم.{الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله} ما عقدوه على أنفسهم من الاعتراف بربوبيته حين قالوا بلى، أو ما عهد الله تعالى عليهم في كتبه. {وَلاَ يِنقُضُونَ الميثاق} ما وثقوه من المواثيق بينهم وبين الله تعالى وبين العباد وهو تعميم بعد تخصيص.{والذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} من الرحم وموالاة المؤمنين والإيمان بجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويندرج في ذلك مراعاة جميع حقوق الناس. {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} وعيده عمومًا. {وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} خصوصًا فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا.{وَالَّذِينَ صَبَرُواْ} على ما تكرهه النفس ويخالفه الهوى. {ابتغاء وَجْهِ رَبِّهِمْ} طلبًا لرضاه لا لجزاء وسمعة ونحوهما. {وَأَقَامُواْ الصلاة} المفروضة. {وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} بعضه الذي وجب عليهم إنفاقه. {سِرّا} لمن لم يعرف بالمال. {وَعَلاَنِيَةً} لمن عرف به. {وَيَدْرَءُونَ بالحسنة السيئة} ويدفعونها بها فيجازون الإِساءة بالإِحسان، أو يتبعون السيئة الحسنة فتمحوها. {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عقبى الدار} عاقبة الدنيا وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي الجنة، والجملة خبر الموصولات إن رفعت بالابتداء وإن جعلت صفات لأولي الألباب فاستئناف بذكر ما استوجبوا بتلك الصفات.{جنات عَدْنٍ} بدل من: {عقبى الدار} أو مبتدأ خبر. {يَدْخُلُونَهَا} والعدن الإِقامة أي جنات يقيمون فيها، وقيل هو بطنان الجنة. {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وأزواجهم وَذُرّيَّاتِهِمْ} عطف على المرفوع في يدخلون، وإنما ساغ للفصل بالضمير الآخر أو مفعول معه والمعنى أنه يلحق بهم من صلح من أهلهم وإن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعًا لهم وتعظيمًا لشأنهم، وهو دليل على أن الدرجة تعلو بالشفاعة أو أن الموصوفين بتلك الصفات يقرن بعضهم ببعض لما بينهم من القرابة والوصلة في دخول الجنة زيادة في أنسهم، وفي التقييد بالصلاح دلالة على أن مجرد الأنساب لا تنفع. {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ} من أبواب المنازل أو من أبواب الفتوح والتحف قائلين.{سلام عَلَيْكُمُ} بشارة بدوام السلامة. {بِمَا صَبَرْتُمْ} متعلق ب: {عَلَيْكُمْ} أو بمحذوف أي هذا بما صبرتم لا ب: {سلام}، فإن الخبر فاصل والباء للسببية أو للبدلية. {فَنِعْمَ عقبى الدار} و: {فَنِعْمَ} بفتح النون والأصل نعم فسكن العين بنقل كسرتها إلى الفاء وبغيره.{والذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله} يعني مقابلي الأولين. {مِن بَعْدِ ميثاقه} من بعد ما أوثقوه به من الإقرار والقبول. {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض} بالظلم وتهييج الفتن. {أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللعنة وَلَهُمْ سُوءُ الدار} عذاب جهنم أو سوء عاقبة الدنيا لأنه في مقابلة: {عقبى الدار}.{الله يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ} يوسعه ويضيقه. {وَفَرِحُواْ} أي أهل مكة. {بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بما بسط لهم في الدنيا. {وَمَا الحياة الدنيا في الآخرة} أي في جنب الآخرة. {إِلاَّ متاع} إلا متعة لا تدوم كعجالة الراكب وزاد الراعي، والمعنى أنهم أشروا بما نالوا من الدنيا ولم يصرفوه فيما يستوجبون به نعيم الآخرة واغتروا بما هو في جنبه نزر قليل النفع سريع الزوال.{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبّهِ قُلْ إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاءُ} باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات. {وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} أقبل إلى الحق ورجَع عن العناد، وهو جواب يجري مجرى التعجب من قولهم كأنه قال قل لهم ما أعظم عنادكم إن الله يضل من يشاء ممن كان على صفتكم، فلا سبيل إلى اهتدائهم وإن أنزلت كل آية، ويهدي إليه من أناب بما جئت به بل بأدنى منه من الآيات.{الذين ءَامَنُواْ} بدل: {من} أو خبر مبتدأ محذوف. {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله} أنسًا به واعتمادًا عليه ورجاء منه، أو بذكر رحمته بعد القلق من خشيته، أو بذكر دلائله الدالة على وجوده ووحدانيته أو بكلامه يعني القرآن الذي هو أقوى المعجزات. {أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} تسكن إليه.{الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} مبتدأ خبره. {طوبى لَهُمْ} وهو فعلى من الطيب قلبت ياؤه واوًا لضمة ما قبلها مصدر لطاب كبشرى وزلفى، ويجوز فيه الرفع والنصب ولذلك قرئ. {وَحُسْنُ مَئَابٍ} بالنصب.{كذلك} مثل ذلك يعني إرسال الرسل قبلك. {أَرْسَلْنَاكَ في أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا} تقدمتها. {أُمَمٌ} أرسلوا إليهم فليس ببدع إرسالك إليهم. {لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} لتقرأ عليهم الكتاب الذي أوحيناه إليك. {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن} وحالهم أنهم يكفرون بالبليغ الرحمة الذي أحاطت بهم نعمته ووسعت كل شيء رحمته، فلم يشكروا نعمه وخصوصًا ما أنعم عليهم بإرسالك إليهم، وإنزال القرآن الذي هو مناط المنافع الدينية والدنيوية عليهم. وقيل نزلت في مشركي أهل مكة حين قيل لهم: {اسجدوا للرحمن قَالُواْ وَمَا الرحمن}: {قُلْ هُوَ رَبّى} أي الرحمن خالقي ومتولي أمري. {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} لا مستحق للعبادة سواه. {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} في نصرتي عليكم. {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} مرجعي ومرجعكم.{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجبال} شرط حذف جوابه والمراد منه تعظيم شأن القرآن، أو المبالغة في عناد الكفرة وتصميمهم أي: ولو أن كتابًا زعزعت به الجبال عن مقارها. {أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض} تصدعت من خشية الله عند قراءته أو شققت فجعلت أنهارًا وعيونًا. {أَوْ كُلِّمَ بِهِ الموتى} فتسمع فتقرؤه، أو فتسمع وتجيب عند قراءته لكان هذا القرآن لأنه الغاية في الإِعجاز والنهاية في التذكير والإِنذار، أو لما آمنوا به كقوله: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملائكة} الآية. وقيل إن قريشًا قالوا يا محمد إن سرك أن نتبعك فسير بقرآنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها بساتين وقطائع، أو سخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشام، أو ابعث لنا به قصي بن كلاب وغيره من آبائنا ليكلمونا فيك، فنزلت. وعلى هذا فتقطيع الأرض قطعها بالسير. وقيل الجواب مقدم وهو قوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن} وما بينهما اعتراض وتذكير: {كلام} خاصة لاشتمال الموتى على المذكر الحقيقي. {بَل للَّهِ الأمر جَمِيعًا} بل لله القدرة على كل شيءٍ وهو إضراب عما تضمنته: {لَوْ} من معنى النفي أي: بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك، لعلمه بأنه لا تلين له شكيمتهم ويؤيد ذلك قوله: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} عن إيمانهم مع ما رأوا من أحوالهم، وذهب أكثرهم إلى أن معناه أفلم يعلم لما روي أن عليًا وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين قرؤوا: {أفلم يتبين}، وهو تفسيره وإنما استعمل اليأس بمعنى العلم لأنه مسبب عن العلم، فإن الميئوس عنه لا يكون إلا معلومًا ولذلك علقه بقوله: {أَن لَّوْ يَشَاءُ الله لَهَدَى الناس جَمِيعًا} فإن معناه نفي هدى بعض الناس لعدم تعلق المشيئة باهتدائهم، وهو على الأول متعلق بمحذوف تقديره أفلم ييأس الذين آمنوا عن إيمانهم علمًا منهم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا أو: {بآمنوا}.{وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ} من الكفر وسوء الأعمال. {قَارِعَةٌ} داهية تقرعهم وتقلقهم. {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مّن دَارِهِمْ} ليفزعون منها ويتطاير إليهم شررها. وقيل الآية في كفار مكة فإنهم لا يزالون مصابين بما صنعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه عليه الصلاة والسلام كان لا يزال يبعث السرايا عليهم فتغير حواليهم وتختطف مواشيهم، وعلى هذا يجوز أن يكون تحل خطابًا للرسول عليه الصلاة والسلام فإنه حل بجيشه قريبًا من دارهم عام الحديبية. {حتى يَأْتِىَ وَعْدُ الله} الموت أو القيامة أو فتح مكة. {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} لامتناع الكذب في كلامه.{وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ووعيد للمستهزئين به والمقترحين عليه، والإملاء أن يترك ملاوة من الزمان في دعة وأمن. {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} أي عقابي إياهم.{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ} رقيب عليها: {بِمَا كَسَبَتْ} من خير أو شر لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ولا يفوت عنده شيء من جزائهم، والخبر محذوف تقديره كمن ليس كذلك. {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ} استئناف أو عطف على: {كَسَبَتْ} إن جعلت: {ما} مصدرية، أو لم يوحدوه وجعلوا عطف عليه ويكون الظاهر فيه موضع الضمير للتنبيه على أنه المستحق للعبادة وقوله: {قُلْ سَمُّوهُمْ} تنبيه على أن هؤلاء الشركاء لا يستحقونها، والمعنى صفوهم فانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة. {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ} بل أتنبئونه. وقرئ: {تنبئونه} بالتخفيف. {بِمَا لاَ يَعْلَمُ في الأرض} بشركاء يستحقون العبادة لا يعلمهم، أو بصفات لهم يستحقونها لأجلها لا يعلمها وهو العالم بكل شيء. {أَم بظاهر مِّنَ القول} أم تسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير حقيقة واعتبار معنى كتسمية الزنجي كافورًا وهذا احتجاج بليغ على أسلوب عجيب ينادي على نفسه بالإِعجاز. {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ} تمويههم فتخيلوا أباطيل ثم خالوها حقًا، أو كيدهم للإسلام بشركهم. {وَصُدُّواْ عَنِ السبيل} سبيل الحق، وقرأ ابن كثير. ونافع وأبو عمرو وابن عامر: {وَصَدُّواْ} بالفتح أي وصدوا الناس عن الإِيمان، وقرئ بالكسر: {وَصَدُ} بالتنوين. {وَمَن يُضْلِلِ الله} يخذله. {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} يوفقه للهدى.
|